سورة المؤمنون - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المؤمنون)


        


المعنى ليس الأمر كما يقولون من نسبتهم إلى الله تعالى ما لا يليق به {بل آتيناهم} وقرأ ابن أبي إسحاق {بل آتيناك} على الخطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم، {ولكاذبون} يراد فيما ذكروا الله تعالى به من الصاحبة والولد والشريك، وفي قوله تعالى: {وما كان معه من إله} دليل على التمانع وهذا هو الفساد الذي تضمنه قوله {ولو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} [الأنبياء: 22] والجزء المخترع محال أن يتعلق به قدرتان فصاعداً أو يختلف الإلهان في إرادة فمحال نفوذهما ومحال عجزهما فإذا نفذت إرادة الواحد فهو العالي والآخر ليس بإله، فإذا قيل نقدرهما لا يختلفان في إرادة قيل ذلك بفرض، فإذا جوزه الكفار قامت الحجة فإن ما التزم جوازه جرى ما التزم وقوعه، وقوله {إذاً} جواب لمحذوف تقديره لو كان معه إله {إذاً لذهب} وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم {عالمِ} بكسر الميم اتباعاً للمكتوبة في قوله {سبحان الله}، وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم {عالمُ} بالرفع والمعنى هو {عالم} قال الأخفش: الجر أجود ليكون الكلام من وجه واحدٍ قال أبو علي: ووجهه الرفع إن الكلام قد انقطع.
قال الفقيه الإمام القاضي: والابتداء عندي أبرع والفاء في قوله {فتعالى} عاطفة بالمعنى كأنه قال: علم الغيب والشهادة {فتعالى} وهذا كما تقول زيد شجاع فعظمت منزلته ويحتمل أن يكون المعنى فأقول تعالى {عما يشركون} على إخبار مؤتنف، و{الغيب} ما غاب عن الناس و{الشهادة} ما شهدوه.


أمر الله تعالى نبيه عليه السلام أن يدعو لنفسه بالنجاة من عذاب الظلمة إن كان قضي أن يرى ذلك، وإن شرط وما زائدة، و{تريني} جزم بالشرط لزمت النون الثقيلة وهي لا تفارق إما عند المبرد، ويجوز عن سيبويه أن تفارق فيقال {إما تريني} لكن استعمال القرآن لزومها فمن هنالك ألزمها المبرد، وهذا الدعاء فيه استصحاب الخشية والتحذير من الأمر المعذب من أجله ثم نظيره لسائر الأمة دعاء في جودة الخاتمة، وفي هذه الآية بجملتها إعلام بقرب العذاب منهم كما كان في يوم بدر، وقوله ثانياً اعتراض بين الشرط وجوابه، وقوله {ادفع بالتي هي أحسن} الآية أمر بالصفح ومكارم الأخلاق وما كان منها، لهذا فهو حكم باق في الأمة أبداً وما كان فيها من معنى موادعة الكفار وترك التعرض لهم والصفح عن أمورهم فمنسوخ بالقتال، وقوله {نحن أعلم بما يصفون} يقتضي أنها آية موادعة، وقال مجاهد الدفع بالتي هي أحسن هو السلام يسلم عليه إذا لقيه، وقال الحسن: والله لا يصيبها أحد حتى يكظم غيظه عما يكره.
قال الفقيه الإمام القاضي: هذه الطرفان وفي هذه عدة للنبي صلى الله عليه وسلم أي اشتغل بهذا وكل تعذيبهم والنقمة منهم إلينا وأمره بالتعوذ من الشيطان في همزاته وهي سورات الغضب التي لا يملك الإنسان فيها نفسه، وكأنها هي التي كانت تصيب المؤمنين مع الكفار فتقع المحادة، فلذلك اتصلت بهذه الآية، وقال ابن زيد: همز الشيطان الجنون.
قال الفقيه الإمام القاضي: وفي مصنف أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم إني أعوذ بك من الشيطان، همزه ونفخه ونفثه» قال أبو داود همزه الموتة وهي الجنون ونفخه الكبر ونفثه السحر.
قال الفقيه الإمام القاضي: والنزعات وسورات الغضب من الشيطان وهي المتعوذ منها في الآية، والتعوذ من الجنون أيضاً وكيد، وفي قراءة أبي بن كعب {ربي عائذاً بك من همزات الشيطان وعائذاً بك رب أن يحضرون}، وقوله {أن يحضرون} أن يكونوا معي في أموري فإنهم إذا حضروا الإنسان كانوا معدين للهمز فإذا لم يكن حضور فلا همز.
قال الفقيه الإمام القاضي: وأصل الهمز الدفع والوخز بيد وغيرها ومنه همز الخيل وهمز الناس باللسان وقيل لبعض العرب أتهمز الفأرة، سئل بذلك عن اللفظة فظن أن المراد شخص الفأرة فقال الهر يهمزها.


{حتى} في هذا الموضع حرف ابتداء ويحتمل أن تكون غاية مجردة بتقدير كلام محذوف، والأول أبين لأن ما بعدها هو المعنيّ به المقصود ذكره، والضمير في قوله {أحدهم} للكفار، وقوله {ارجعون} معناه إلى الحياة الدنيا، وجمع الضمير يتخرج على معنيين إما أن يخاطبه مخاطبة الجمع تعظيماً على نحو إخباره تعالى عن نفسه بنون الجماعة في غير موضع، وإما أن تكون استغاثة بربه اولاً ثم خاطب ملائكة العذاب بقوله {ارجعون}، وقال الضحاك هي من المشرك، وقال النبي صلى الله عليه وسلم، لعائشة «إذا عاين المؤمن قالت الملائكة نرجعك فيقول إلى دار الهموم والأحزان بل قدماً إلى الله وأما الكافر فيقول {ارجعون لعلي أعمل صالحاً}»، وقرأ الحسن والجمهور {لعلي} بسكون الياء، وقرأ طلحة بن مصرف {لعليَ} بفتح الياء، و{كلا} رد وزجر وهي من كلام الله تعالى، وقوله {إنها كلمة هو قائلها} يحتمل ثلاثة معان: أحدهما الإخبار المؤكد بأن هذا الشيء يقع ويقول هذه الكلمة، والآخر أن يكون المعنى إنها كلمة لا تغني أكثر من أن يقولها ولا نفع له فيها ولا غوث، والثالث أن تكون إشارة إلى أنه لو رد لعاد فتكون آية ذم لهم، والضمير في {ورائهم} للكفار أي يأتي بعد موتهم حاجز من المدة والبرزخ، في كلام العرب الحاجز بين المسافتين، ثم يستعار لما عدا ذلك فهو هنا للمدة التي بين موت الإنسان وبين بعثه، هذا إجماع من المفسرين، وقرأ الجمهور {في الصور} وهو القرن، وقرأ ابن عباس {الصوَر} بفتح الواو جمع صورة، و{يوم} مضاف إلى {يبعثون} وقوله {فى أنساب بينهم يومئذ} اختلف المتأولون في صفة ارتفاع الأنساب فقال ابن عباس وغيره: هذا في النفخة الأولى وذلك أن الناس بأجمعهم يموتون فلا يكون بينهم نسب في ذلك الوقت وهم أموات.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا التأويل يزيل ما في الآية من ذكر هول الحشر، وقال ابن مسعود وغيره: إنما المعنى أنه عند النفخة الثانية وقيام الناس من القبور فهم حينئذ لهول المطلع واشتغال كل امرئ بنفسه قد انقطعت بينهم الوسائل وزال انتفاع الأنساب فلذلك نفاها المعنى {فلا أنساب} وروي عن قتادة أنه قال: ليس أحد أبغض إلى الإنسان في ذلك اليوم ممن يعرف لأنه يخاف أن تكون له عنده مظلمة وفي وذلك اليوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه ويفرح كل أحد يومئذ أن يكون له حق على ابنه وأبيه، وقد ورد بهذا الحديث، وكذلك ارتفاع التساؤل والتعارف لهذه الوجوه التي ذكرناها ثم تأتي في القيامة مواطن يكون فيها السؤال والتعارف.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا التأويل حسن وهو مروي المعنى عن ابن عباس وثقل الموازين هو الحسنات، والثقل والخفة إنما يتعلق بأجرام يخترع الله فيها ذلك وهي فيما روي براءات.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10